“نلتقي بعد غياب.. نعايد بالربيع.. ونحكي تاريخًا يسير معنا خطوة خطوة!”
في صباحٍ دمشقيٍّ معطرٍ بنيسان، نلتقي تحت ظلال الذاكرة في ساحة الأمويين، قلب المدينة النابض بالتاريخ والمعنى. من هناك تبدأ الحكاية، لا كمسيرٍ رياضي فحسب، بل كرحلةٍ بين عروق دمشق القديمة، حيث تتقاطع الطبيعة مع الحضارة، والنهر مع السكة، والظل مع الضوء.
🚶♀️ محطات المسير وحكاياتها:
ساحة الأمويين: بداية الحكاية
من هنا تبدأ الخُطى، من ساحةٍ نُسبت إلى الدولة الأموية، تخليدًا لعظمة دمشق حين كانت عاصمةً لأعظم حضارات الإسلام.
تحت ظلال المباني الحديثة، تعيش أشجار الساحة القديمة التي شهدت نهوض المدينة، وسمعت زفرات القوافل وهدير القطارات في بدايات القرن العشرين.
الربوة: حيث يروي الصخر الحكاية
نسير بمحاذاة بردى، لنبلغ خانق الربوة. هناك، تنتصب صخرة المنشار الشهيرة، مقسومة كما لو شُقّت بيد خارقة، وفوقها صخرة “اذكريني” التي تحمل في طياتها قصة حبٍ وغموض.
لكن الأعظم، تلك اللوحة الكوفية النادرة المنقوشة في الصخر، التي تعود إلى عام 444هـ، والتي تعتبر أقدم كتابة عربية في دمشق:
بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله وحده لا شريك له
محمد رسول الله علي ولي الله صلى الله عليهما وعلى آلهما
الطاهرين أيام مولانا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلى الله
عليه وعليهم أجمعين عمّر هذه الربوة المباركة وأنشأ الثلثة
مساجد الذين فيها بمشية الله أبو البركات يحيى بن محمد بن [… ـلا]
بن أبي خارجة الكاتب وأوقف عليهم هذه القطعة التي [من]
تحتهم وحانوتين بمدينة دمشق في الصف الشامي مـ [ـن السرّاجين]
في ظهر مسجد الطرائفيين نيّة في ثواب الله وهو يحـ [ـبسهم]
لهذا الوقف المحبّس إلى يوم تقوم الساعة فرحـ [ـمه الله تعالى]
بالرحمة والعتق من النار وكتب في سنة أربع وأ[ربعين وأربع مائة]
نقشٌ خالد يربطنا بجذورنا، يقول لنا:
“هنا مرّت حضارات.. فكن لينًا كالماء، صلبًا كالصخر.”
حديقة المنشية – دمر: فطور تحت أزهار نيسان
تُعانقنا رائحة الخبز الطازج والزعتر في هذه الاستراحة الريفية.
كانت هذه الأرض قديمًا بستانًا يعجّ بالحور والخروب، وسُقيت من نبع المنشية، وتحولت في السبعينيات إلى حديقة عامة.
هنا، نأخذ نفسًا عميقًا ونستعد لجزء جديد من الرحلة.
قهوة الصفصاف على نهر بردى: لحظة تأمل
تغفو القهوة على ضفة النهر، بين أغصان الصفصاف المنحنية، وكأنها تهمس لأمواج بردى:
“عد بنا إلى زمن الموشحات والطرب، إلى قصص العشاق والمفكرين.”
كانت تُعرف قديمًا بـ”مقهى الباشورة”، وتستمد هيبتها من نهر بردى الذي لا يزال حتى اليوم رمز الجمال والحنين في الشعر العربي.
ويُقال أن اسمه جاء من بردى،
هناك عدة تفسيرات ووجهات نظر تاريخية ولغوية لتسمية نهر بردى:
-
الأصل السرياني أو الآرامي:
-
يُرجّح أن اسم “بردى” مشتق من الجذر السرياني “برد” ويعني “البارد”، ما يشير إلى برودة مياهه، خاصة أن مصدره من نبع الفيجة البارد في جبال الربوة.
-
في الآرامية، كان يُدعى “بردا” أو “بردايا”، وتعني أيضًا الماء البارد.
-
-
الاسم الإغريقي والروماني:
-
الإغريق كانوا يطلقون عليه اسم “بارادوس” (Baradus)، وهو اسم ورد في كتابات الجغرافيين القدماء، ويُعتقد أنه تحريف للاسم الآرامي.
-
بعض المصادر تشير إلى أن الاسم قد يكون مرتبطًا بجمال النهر وطبيعته، كأنه “جنّة” أو مكان بديع.
-
محطة قطار الخط الحديدي الحجازي: نهاية الرحلة، وبداية الذكرى
هنا، تتوقف أقدامنا، وتبدأ أذهاننا بتخزين اللحظات.
محطة قطار الخط الحديدي الحجازي، محطة مهجورة تحرسها قاطرات قديمة صدئة، و طريقه الى سرغايا فلبنان الى محطة رياق
تعود هذه المحطة إلى مشروع الخط الحديدي الحجازي، الذي أراده السلطان عبد الحميد الثاني .
اليوم، نربط نحن أرواحنا بالماضي، ونجلس تحت أشجار الصفصاف، نحتسي الشاي، ونروي القصص.
ختام اليوم:
سواء اخترتم البقاء عند المحطة أو العودة إلى نهر بردى وقهوة الصفصاف…
فالمسير لا يُقاس بالكيلومترات، بل بعدد الذكريات المزروعة على الطريق.
مسك الختام – أبيات من الشعر:
قرأتُ مجدَكِ في قلبي و في الكُتُـبِ
شَـآمُ ، ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يَغِبِ
إذا على بَـرَدَى حَـوْرٌ تأهَّل بي
أحسسْتُ أعلامَكِ اختالتْ على الشّهُبِ
أيّـامَ عاصِمَةُ الدّنيا هُـنَا رَبطَـتْ
بِـعَزمَتَي أُمَـويٍّ عَزْمَـةَ الحِقَـبِ
سعيد عقل
إعداد التقرير
المهندسة : نجاة العلي
الكوتش : بلال المصري