الصباح ينساب بلطف فوق سماء دمشق، كأنما أنامل الخالق قد سكبت ألوانًا مائية خفيفة لرسم هذه اللوحة الربانية. الهواء يحمل نسمات عليلة تفوح منها رائحة الحرية، تلك الرائحة التي لطالما حلمنا بها وانتظرناها بفارغ الصبر. في ساحة شمدين، كان اللقاء. تجمعنا واحدًا تلو الآخر، كقطع فسيفساء تكتمل بها لوحة إنسانية ساحرة. أعلامنا المرفرفة والألوان الزاهية تملأ المكان، وكأنها تهمس للعالم بأن يومًا جديدًا قد بزغ.
وجوهنا المشرقة، بابتساماتها العريضة، تروي قصص أمل وحماسة. الهتافات ترتفع في الهواء، تهز أركان الصمت، كأن المدينة كلها تُبعث من جديد. “اليوم يومنا”، نقولها بثقة بينما تصدح التصفيقات، لتتردد أصداؤها بين جدران الأبنية والشوارع. بخطى ثابتة وواثقة، انطلقنا، وكأن الأرض تحت أقدامنا تُغني لنا ترنيمة الحرية.
الرحلة إلى مقام الأربعين: خطوات تحكي التاريخ
صعودنا إلى مقام الأربعين كان أشبه برحلة عبر الزمن. تلك الدرجات الحجرية العتيقة تحمل في شقوقها قصص الأجيال. كل خطوة نحو الأعلى كانت بمثابة إعلان تحدٍ جديد، وكأننا نصعد نحو غدٍ أكثر إشراقًا. التوقف أحيانًا لالتقاط الأنفاس لم يكن ليمنعنا من الضحك والغناء. الأغاني التي صدحت من حناجرنا كانت كأنها رسائل موجهة للسماء، تهتف: “ارفع رأسك فوق، أنت سوري حر”.
عندما وصلنا إلى مقام الأربعين، كان المشهد يستحق التأمل. المدينة من الأعلى تبدو كعروس تتلألأ تحت أشعة الشمس. “هذه مدينتنا”، نقولها بصوت خافت، كأننا نحاول حفظ هذا الحلم دون أن نوقظه. لحظات من الصمت اختلطت بأحلام عن المستقبل، مستقبل تشرق فيه شمس الحرية على الجميع.
جبل قاسيون: من رمز للخوف إلى ميدان للحرية
الرحلة لم تتوقف عند مقام الأربعين. كان جبل قاسيون ينتظرنا، ذلك الجبل الذي كان يومًا رمزًا للخوف والتحذير. اليوم، صار شاهقًا يعبر عن التحدي والانتصار. الصعود كان شاقًا، لكن كل خطوة جعلتنا نشعر بالفخر. كنا فريقًا واحدًا، كأننا عائلة كبيرة. نساعد بعضنا البعض، نضحك، ونغني. مع كل خطوة، كنا نعلن بصوت عالٍ: “نحن أحرار، نحن أقوياء”.
عند قمة الجبل، وقفنا في صف واحد، نحدق في دمشق التي بدت كحلم يتجسد أمام أعيننا. رفعنا العلم عاليًا، وكأننا نرسل رسالة إلى السماء: “هذه هي سوريا التي نحلم بها”. الكاميرات التقطت اللحظات، وأصوات الضحكات اختلطت مع نسمات الهواء. “نحن هنا، نحن أحرار”، كانت كلماتنا التي ترددها أصداء الجبال.
الطبيعة تحكي قصص الحرية
بعد استراحة قصيرة، واصلنا السير عبر سلسلة الجبال. الطبيعة كانت حاضرة معنا، تنساب بلطف وكأنها تشاركنا هذه الرحلة. الهواء النقي والمناظر الخلابة زادتنا إيمانًا بحلمنا. كنا نشير إلى الأفق ونقول: “هذه هي سوريا الحقيقية”. النقاشات عن الأحلام والمستقبل كانت تملأ الأجواء. “نريد وطنًا للجميع”، كانت الكلمات التي تعاهدنا عليها، وكأننا نعقد ميثاقًا بين الأرض والسماء.
لحظات تجمع العائلة السورية
جلسنا في القمة على الطاولات التي امتلأت بالطعام والشراب. الضحكات تملأ المكان، والأغاني تصدح: “يسعد صباحك سوريا، صبحك حلو”. كان المشهد أشبه باحتفال عائلي كبير. الجميع يشارك، والجميع يضحك. لحظات من الوحدة والفرح، وكأننا نعيد بناء سوريا بروح واحدة. “لننسى الماضي، ولنبدأ من جديد”، قلناها بصوت عالٍ، وكأننا نؤسس لعهد جديد.
النهاية في ساحة المهاجرين: عهد بالحرية
“اليوم كان يومًا فريدًا”، قلناها بثقة، وأعيننا مليئة بالعزيمة. الجميع كان يشعر بأنه جزء من هذا الحلم، هذا المستقبل الذي نبنيه معًا. رفعنا الأعلام مرة أخرى، كأننا نعلن للعالم: “نحن هنا، نحن أحرار”.
هذا اليوم كان أكثر من مجرد رحلة؛ كان رسالة للعالم، للعقول والقلوب. كل خطوة، كل ضحكة، كل أغنية كانت تعبيرًا عن حبنا لهذا الوطن وعن أملنا بمستقبل أفضل. دمشق، بابتسامتها الحانية من بعيد، بدت وكأنها تقول لنا: “أكملوا الطريق، فالأفق أمامكم واسع”.
مع خالص التحيات من فريق دروبنا بقيادة الكوتش بلال المصري و المهندسة نجاة العلي